فصل: من مات في هذه الأعوام من أكابر العلماء وأعاظم الأمراء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)



.من مات في هذه الأعوام من أكابر العلماء وأعاظم الأمراء:

مات الشيخ الإمام الفقيه المحدث الشريف السيد محمد بن محمد البليدي المالكي الأشعري الأندلسي، حضر دروس الشيخ شمس الدين محمد بن قاسم البقري المقري الشافعي في سنة 1110 ثم على أشياخ الوقت كالشيخ العزيزي والملوي والنفراوي، وتمهر ثم لازم الفقه والحديث بالمشهد الحسيني فراج أمره وأشتهر ذكره وعظمت حلقته وحسن اعتقاد الناس فيه وانكبوا على تقبيل يده وزيارته وخصوصا تجار المغاربة لعلة الجنسية، فهادوه وواسوه واشتروا له بيتا بالعطفة المعروفة بدرب الشيشيني وفسطوا ثمنه على أنفسهم ودفعوه من مالهم. فلم يزل مقبلاً على شانه ملازما على طريقته مواظباً على أملاء الحديث كصحيح البخاري ومسلم والموطأ والشفاء والشمائل، حتى توفي ليلة التاسع والعشرين من رمضان سنة ست وسبعين ومائة وألف.
ومات الأستاذ المعظم ذو المناقب العلية والشجايا المرضية بقية السلف السيد مجد الدين محمد أبو هادي بن وفي، ولد سنة 1151 ومات والده وهو طفل فنشأ يتيماً وخلف عمه في المشيخة والتكلم، وأقبل على العلم والمطالعة والأذكار والأوراد، وولى نقابة الأشراف بمصر في الأثناء فساس فيها أحسن سياسة وجمع له بين طرفي الرياسة وكان أبيض وسيماً ذا مهابة لا يهاب في الله، أمارا بالمعروف فاعلاً للخير، توفي يوم الخميس خامس ربيع الأول سنة 1176، وصلي عليه بالأزهر في مشهد عظيم حضره الأكابر والأصاغر وحمل على الأعناق ودفن بزاويتهم بالقرب من عمه رضي الله عنه، وتخلف بعده السيد شهاب الدين أحمد أبو الأمداد.
ومات أيضاً في هذا الشهر والسنة الصدر الأعظم المغفور له محمد باشا المعروف براغب، وكان معدودا من أفاضل العلماء وأكابر الحكماء جامعاً للرياستين حويا للفضيلتين، وله تأليف وأبحاث في المعقول والمنقول والفروع والأصول، وهو الذي حضر إلى مصر والياً في سنة 1159 ووقع له ما وقع مع الخشاب والدمايطة كما تقدم، ورجع إلى الديار الرومية وتولى الصدارة، ثم توفي إلى رحمة الله تعالى في رابع عشرين شهر رمضان سنة 1176.
ومات الشيخ المجذوب علي الهواري، كان من أرباب الأحوال الصادقين والأولياء المستغرقين وأصله من الصعيد. وكان يركب الخيول ويروضها ويجيد ركوبها ولذلك لقب بالهواري. ثم أقلع من ذلك وأنجذب مرة واحدة وكان للناس فيه اعتقاد حسن، وحكى عنه الكشف غير واحد ويدور في الأسواق والناس يتبركون به. مات شهيدا بالرميلة أصابته رصاصة من يد رومي فلتة في سنة 1176، وصلوا عليه بالأزهر وأزدحم الناس على جنازته رحمه الله.
ومات الشيخ المسند بن أحمد بن عقيل الحسيني المكي الشافعي الشهير بأسقاف ابن أخت حافظ الحجاز عبد الله سالم البصري، وأسقاف لقب جده الأكبر عبد الرحمن من آل باعلوي. ولد بمكة سنة 1102، وروى عن خالد المذكور وعن الشيخين العجمي والنخلي والشيخ تاج الدين المفتي وسين بن عبد الرحمن الخطيب ومحمد عقبلة وإدريس بن أحمد اليماني والشيخ عيد وعبد الوهاب الطنتدائي ومصطفى ابن فتح الله الحنفي، وسمع الأولية عاليا عن الشهاب أحمد البناء بعناية خاله سنة 1110، ومهر وأنجب واشتهر صيته وسمع منه كبار الشيوخ، وأجازهم كالشيخ الوالد والشيخ أحمد الجوهري، وعندي إجازته للوالد بخطه، وكذلك أجاز عبد الله بن سالم البصري والشيخ محمد عقيلة ومحمد السندي، وذلك بمكة سنة 1157، وبه تخرج شيخنا السيد محمد مرتضى في غالب مروياته، وسمعت منه أنه أجتمع به بالمدينة المنورة عند باب الرحمة، أحد أبواب الحرم الشريف وسمع منه وأجازه إجازة عامة، وذلك في سنة 1163، ولازمه بمكة سنة 1164، وسمع منه أوائل الكتب الستة وأباح له كتب خاله يراجع فيها ما يحتاج إليه وسمع من لفظه المسلسل بالعيد بالحرم المكي في صحبة سلالة الصالحين الشيخ عبد الرحمن المشرع وأجازهما، توفي في سنة 1174.
ومات العمدة العلامة المفوه النبيه الفقيه الشيخ محمد العدوي الحنفي، تفقه على كل من الأسقاطي والسيد علي الضرير والشيخ الزيادي وغيرهم. وضر في المعقول على أشياخ الوقف كالملوي والعماوي وتصدر للإفادة والإقراء وكان ذا شكيمة وشجاعة نفس وقوة جنان ومكارم أخلاق. توفي في ثالث الحجة سنة 1175.
ومات الإمام العلامة الفقيه المتقن الشيخ محمد بن عبد الوهاب الدلجي الحنفي، وهو ابن خال الوالد، أشتغل بالعلوم والفقه على أشياخ الوقت، ودرس وأفتى وأقتنى كتباً نفيسة في الفقه وجميعها بخط حسن، وقابلها وصححها وكتب عليها بخطه الحسن، وكانت جميع كتبه الفقهية وغيرها في غاية الجودة والصحة يضرب بها المثل ويعتمد عليها إلى الآن. وكان ملازماً للإفادة والإفتاء والتدريس والنفع على حالة حسنة ودماثة أخلاق وحسن عشرة، ولم يزل حتى توفي في شهر رجب سنة 1177.
ومات الفقيه الصالح الخير الدين حسن بن سلامة الطيبي المالكي نزيل ثغر رشيد تفقه على شيخه محمد بن عبد الله الزهيري وبه تخرج وأجازه محمد بن عثمان الصافي البرلسي في طريقة البراهمة وسيدي أحمد ابن قاسم البوتي حين ورد ثغر رشيد في الحديث، ودرس بجامع زغلول وأغتى ودرسه أكبر الدروس، وكان لديه فوائد كثيرة. توفي سنة 1176.
ومات المغتي الفاضل النبيه زين الدين أبو المعالي حسن بن علي بن علي ابن منصور بن عامر بن ذئاب شمة الفوي الأصل المكي ينتهي نسبه إلى الولي الكامل سيدي محمد بن زين النحراوي ومن أمه إلى سيدي إبراهيم البسيوني، ولد بمكة سنة 1142 بها نشأ، وأخذ العلم عن الشيخ عطاء بن أحمد المصري والشيخ أحمد الأشبولي وغيرهما من الواردين بالحرمين، وأتى إلى مصر فحضر دروس الشيخ الحفني وله أنتسب، وأجازه في الطريقة البرهامية بلدية الشيخ منصور هدية، وألف وأجاد وكان فصيحاً بليغاً ذكياً حاد الذهن جيد القريحة له سعة اطلاع في العلوم الغريبة وظم رائق مع سرعة الأرتجال، وقد جمع كلامه في ديران هو على فضله عنوان وسكن في الأخر بولاق بها توفي ليلة الجمعة رابع عشرين رمضان سنة 1146.
ومات الشيخ الإمام الفقيه المحدث المحقق الشيخ خليل بن محمد المغربي الأصل المالكي المصري أتى والده من المغرب فتدير مصر وولد المترجم بها، نشأ على عفة وصلاح وأقبل على تحصيل المعارف والعلوم فأدرك منها المروم، وحضر دروس الشيخ الملوي والسيد البليدي وغيرهما من فضلاء الوقت، إلى أن استكمل هلال معارفه وأبدر وفاق أقرانه في التحقيقات، واشتهر وكان حسن الإلقاء للعلوم حسن التقرير والتحرير حاد القريحة جيد الذهن إماما في المعقولات وحلالا للمشكلات، وولي خزانة كتب المؤيد مدة فأصلح ما فسد منها ورم ما تشعث، وأنتفع به جماعة كثيرون من أهل عصرنا، وله مؤلفات منها شرح المقولات العشر. توفي يوم الخميس خامس عشرين المحرم سنة 1177 بالري وهو منصرف من الحج.
ومات السيد الأديب الشاعر المفنن عمر بن علي الفتوشي التونسي ويعرف بابن الوكيل، ورد مصر في سنة أربع وخمسين فسمع الصحيح على الشيخ الحفني وأجازه في ثاني المحرم منها ثم توجه إلى الإسكندرية وتديرها مدة، ثم ورد في أثناء أربع وسبعين وكان ينشد كثيراً من المقاطع لنفسه ولغيره، وألف رسالة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، خرج صيغها بالدور الأعلى للشيخ الأكبر وتولى ينابة القضاء بالكاملية، وكان إنساناً حسناً لطيف المحاورة كثير التودد والمراعاة بشوش الملتقى مقبلاً على شأنه توفي في ثاني ذي الحجة 1175.
ومات الأستاذ الذاكر الشيخ محفوظ الفوي تلميذ سيدي محمد ابن يوسف من ورم في رجليه في غرة جمادى الثانية سنة 1178. ودفن يومه قريباً من مشهد السيدة نفيسة رضي الله عنها.
ومات العالم الفقيه المحدث الأصولي الشيخ محمد بن يوسف بن عيسى الدنجيهي الشافعي بدمياط في سادس شعبان سنة 1178.
ومات الجناب المكرم الصالح المنفصل عن مشيخة الحرم النبوي عبد الرحمن آغا في ثامن شوال سنة 1179، ودفن بجوار المشهد النفيسي.
ومات الجناب المكرم محب الفقراء والمساكين الأمير إبراهيم أوده باشه غالم فجأة في ثامن جمادى الأولى سنة 1177، ودفن بمقبرتهم عند السادة المالكية.
ومات أيضاً العمدة الشيخ عبد الفتاح المرحومي بالأزبكية في تاسع شوال سنة 1178.
ومات الأجل المكرم الحاج حسن فخر الدين النابلسي عن سن عالية، وكان من أرباب الأموال رابع عشرين جمادى الأولى سنة 1178.
ومات الأمير الأجل المحترم صاحب الخيرات والمحبب إلى الصالحات علي بن عبد الله مولى بشير آغا دار السعادة، ولي وكالة دار السعادة فباشر فيها بحشمة وافرة وشهامة باهرة. وكان منزله مورد الوافدين من الآفاق مظهر التجليات الأشراق مع ميله إلى الفنون الغريبة، وكماله في البدائع العجيبة من حسن الخط وجودة الرمي وأتقان الفروسية.
ومدحته الشعراء وأحبته العلماء وألقت إليه الرياسة قيادها فأصلح ما وهن من أركانها وأزال فسادها ولقد عزل عن منصبه، ولم يأفل بدر كماله وأستمر ناموس حشمته باقياً على حاله، وأقتنى كتباً نفيسة وكان سموحاً باعإرتها وكان عنده من جملتها البرهان القاطع للتبريزي في اللغة الفارسية على ثيئة القاموس، وسفينة الراغب وهي مجموعة جامعة للفوائد الغربية، ومنها كشف الظنون في أسماء الكتب والفنون لمصطفى خليفة وهو كتاب عجيب. توفي يوم الاثنين ثامن عشر شهر صفر سنة 1176، وصلى عليه بسبيل المؤمن ودفن بالقرافة بالقرب من الإمام الشافعي، ولم يخلف بعده مثله في المروءة والكرم رحمه الله تعالى وقد رثاه الشعراء بمراث كثيرة.
ومات الإمام العالم والمدقق الفهامة الشيخ يوسف شقيق الأستاذ شمس الدين الحفني أخذ العلم عن مشايخ عصره مشاركا لأخيه وتلقى عن أخيه ولازمه ودرس، وأفاد وأفتى وألف ونظم الشعر الفائق الرائق، وله ديوان شعر مشهور فكتب حاشية عظيمة على الأشموني هي مشهورة يتنافس فيها الفضلاء، وحاشية على مختصر السعد، وحاشية على شرح الخزرجية لشيخ الإسلام، وحاشية على جمع الجوامع لم تكمل، وحاشية على الناصر وابن قاسم وشرح شرح الأزهرية لمؤلفها وشرح على شرح السعد لعقائد النسفي وحاشية الخيالي عليه. توفي في شهر سفر سنة 1178.
ومات الإمام الفصيح المفرد الأديب الماهر الناظم الناثر الشيخ علي ابن الخبر بن علي المرحومي الشافعي خطيب جامع الحبشلي، وفي ليلة الجمعة سادس ذي القعدة سنة 1178.
ومات الإمام العلامة السيد إبراهيم بن محمد أبي السعود بن علي بن علي الحسيني الحنفي ولد بمصر وقرأ الكثير على والده وبه تخرج في الفنون ومهر في الفقه، وأنجب وغاص في معرفة فروع المذهب وكانت فتاويه في حياة والده مسددة معروفة ويده الطولى في حل لا أشكالات العقيمة مذكورة موصوفة، رحل في صحبة والده إلى المنصورة فمدحهما القاضي عبد الله بن مرعي المكي وأثنى عليهما بما هو مثبت في ترجمته ولو عاش المترجم لتم به جمال المذهب. توفي يوم الأحد سابع عشر جمادى الآخرة سنة 1179.
ومات الفقيه الزاهد الورع العالم المسلك الشيخ محمد بن عيسى ابن يوسف الدمياطي الشافعي، أخذ المعقول عن السيد على الضرير والشيخ العزيزي والشيخ إبراهيم الفيومي والفقه أيضاً عنهما وعن الشيخ العياشي والشيخ الملوي والحفني وطبقتهم، وأجتمع بالسيد مصطفى البكري وأخذ عنه الطريقة الخلوتية ولقنه الأسماء بشروطها، وألف حاشية على المنهج ونسبها لشيخه السيد مصطفى العزيزي، وله حاشية على سلم الأخضري في المنطق وحاشية علي السنوسية وغير ذلك. توفي في ثامن رمضان سنة 1178، وكانت جنازته حافلة وصلى عليه بالأزهر ودفن ببستان المجاورين وبنوا على قبره سقيفة يجتمع تحتها تلامذته في صبح يوم الجمعة يقرأون عنده القرآن ويذكرون وأستمروا على ذلك مدة سنين.
ومات الإمام العلامة الناسك الشيخ أحمد بن محمد السحيمي الشافعي نزيل قلعة الجبل حضر دروس الأشياخ ولازم الشيخ عيسى البراوي وبه أنتفع وتصدر للتدريس بجامع سيدي سارية وأحيا الله به تلك البقعة وأنتفع به النسا جيلا بعد جيل، وعمر بالقرب من منزله زاوية وحفر ساقية بذل عليها بعض الأمراء بأشارته مالا حفيلا فنبع الماء، وعد ذلك من كراماته، فأنهم كانوا قبل ذلك يتعبون من قلة الماء كثيراً، وشغل الناس بالذكر والعلم والمراقبة وصنف التصانيف المفيدة في علم التوحيد على الجوهرة، وجعله متنا وشرحه مزجاً وهي غاية في بابها، وله حال مع الله وتؤثر عنه كرامات أعتنى بعض أصحابه بجمعها، وأشتهر بينهم أنه كان يعرف الأسم الإعظم، وبالجملة فلم يكن في عصره من يدانيه في الصلاح والخير وحسن السلوك على قدم السلف. توفي ثامن شعبان سنة 1178. ودفن بباب الوزير.
ومات الإمام العلامة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن صالح ابن أحمد بن علي بن الأستاذ أبي السعود الجارحي الشافعي ويقال له السعودي نسبة إلى جده المذكور، حضر دروس الشيخ مصطفى العزيزي وغيره من فضلاء الوقت. وكان أماما محققاً له باع في العلوم، وكان مسكنه في باب الحديد أحد أبواب مصر، وحضر السيد البليدي في تفسير البيضاوي وكان الشيخ يعتمده في أكثر ما يقول ويعترف بفضله ويحسن الثناء عليه. توفي في شعبان سنة 1179.
ومات السيد الأجل المحترم فخر أعيان الأشراف المعتبر بن السيد محمد بن حسين الحسيني العادلي الدمرداشي، ولد بمصر قبل القرن بقليل وأدرك الشيوخ وتمول وأثرى وصار له صيت وجاه، وكان بيته بالأزبكية ويرد عليه العلماء والفضلاء، وكان وحيدا في شأنه وكلمته مقبولة عند الأمراء والأكابر. ولما تولى الشيخ أبو هادي الوفائي رحمه الله تعالى كان يتردد إلى مجلسه كثيراً توفي سنة 1178.
ومات الشيخ الفاضل الناسك الكاتب الماهر البليغ سليمان بن عبد الله الرومي الأصل المصري، مولى المرحوم علي بك الدمياطي، جود الخط على حسن أفندي الضيائي، وأنجب وتميز فيه، وأجيز وكتب بخطه الفائق كثيراً من الرسائل والأحزاب والأوراد وكانت له خلوة بالمدرسة السليمانية لإجتماع الأحباب، وكان حسن المذاكرة لطيف الشمائل حلو الفاكهة يحفظ كثيراً من الأناشيد والمناسبات. توفي سنة 1179.
ومات السيد العالم الأديب الماهر الناظم الناثر محمد بن رضوان السيوطي الشهير بابن الصلاحي ولد باسيوط على رأس الأربعين ونشأ هناك وأمه شريفة من بيت شهير هناك، ولما ترعرع ورد مصر وحصل العلوم وحضر دروس الشيخ محمد الحفني ولازمه وأنتسب إليه، فلاحظته لوناره ولبسته أسراره ومال إلى فن الأدب فأخذ منه بالحظ الأوفر، وخطه في غاية الجودة والصحة. وكتب نسخة من القاموس وهي في غاية الحسن والأتقان والضبط وله شعر عذب يغوص فيه على غرائب المعاني، وربما يبتكر ما لم يسبق إليه. وتوجه بآخر أمره إلى بلده، وبه توفي سنة 1180، رحمه الله.
ومات الإمام الصوفي العارف الناسك الشيخ محمد سعيد بن أبي بكر بن عبد الرحيم بن مهنا الحسيني البغدادي ولد بمحلة أبي النجيب من بغداد وبها نشأ، وأخذ عن الشيخ عبد العزيز بن أحمد الرحبي وحسن ابن مصطفى القادري وآخرين، وحج وقطن المدينة مدة، وأجازه الشيخ محمد حيوة السندي والشيخ حسن الكوراني. ورد مصر سنة 1171. فنزل بقصر الشوك قرب المشهد الحسيني، وكان له في كلام القوم عرفان إلى الغاية يورده على طريقة غريبة، بحيث يرسخ في ذهن السامع ويلتذ به، وكان يذهب لزيارته الأجلاء من الأشياخ مثل شيخنا السيد علي المقدسي والسيد محمد مرتضى والشيخ الفيفي وبالجملة فكان من أعاجيب دهره، وكان الشيخ العفيفي ينوه بشأنه ويقول في حقه أنه من رجال الجضرة وأنه ممن يرى النبي صلى الله عليه وسلم عيانا. وتوجه إلى الديار الرومية ثم عاد إلى المدينة، ثم ورد أيضاً إلى مصر بعد ذلك، ونزل قرب الجامع الأزهر. ثم توجه إلى الديار الرومية وقطن بها. وظهرت له هناك الكرامات وطار صيته وعلت كلمته، وصار له أتباع ومريدون، ولم يزل هناك على حالة حسنة حتى وافاه الأجل المحتوم في أواخر الثمانين، وخلف ولده من بعده رحمه الله تعالى وسامحه.
ومات الفقيه الصالح العلامة الفرضي الحيسوبي الشيخ أحمد بن أحمد السبلاوي الشافعي الأزهري الشهير برزة، كان أماماً عالماً مواظباً على تدريس الفقه والمعقول بالجامع الأزهر، وكان يحترف بيع الكتب وله حانوت بسوق الكتبين مع الصلاح والورع والديانة، ملازما على قراءة ابن قاسم بالأزهر كل يوم بعد الظهر، أخذ عن الأشياخ المتقدمين وأنتفع به الطلبة، وكان إنسانا حسناً بهي الشكل عظيم اللحية منور الشيبة معتنياً بشأنه مقبلاً على ربه. توفي سنة 1180.
ومات الأجل المكرم الفاضل النبيه النجيب الفقيه حسن أفندي ابن حسن الضبائي المصري المجود المكتب، ولد كما وجد بخطه سنة 1092 في منتصف جمادى الثانية، وأشتغل بالعلم على أعيان عصره، وأشتغل بالخط وجوده على مشايخ هذا الفن في طريقتي الحمدية وابن الصائغ. أما الطريقة الحمدية فعلى سليمان الشاكري والجزائري وصالح الحمامي، وأما طريقة ابن الصائغ فعلى الشيخ محمد بن عبد المعطي السملاوي فالشاكري والحمامي جودا على عمر أفندي وهو على درويش علي وهو على خالد أفندي وهو على درويش محمد شيخ المشايخ حمد الله بن بير علي المعروف بابن الشيخ الأماسي، وأما السملاوي فجود على محمد ابن محمد بن عمار، وهو على والده وهو علي يحيى المرصفي، وهو علي إسمعيل المكتب، وهو علي محمد الوسمي وهو علي أبي الفضل الأعرج، وهو علي ابن الصائغ بسنده. وكان شيخاً مهيباً بهي الشكل منور الشيبة شديد الأنجماع عن الناس، وله معرفة في علم الموسيقى والأوزان والعروض. وكان يعاشر الشيخ محمد الطائي كثيراً ويذاكره في العلوم والمعارف، وبكتب غالب تقاريره على ما يكتبه بيده من الرسائل والمرقعات، وقد أجاز في الخط لأناس كثيراً، ويجتمع في مجالس الكتبة مع صرامة وشهامة وعزة نفس. توفي في منتصف ذي الحجة سنة 1180.
ومات الإمام العالم أحد العلماء الأذكياء وافراد الدهر البحاث في المعضلات الفتاح للمقفلات الشيخ عبد الكريم بن علي المسيري الشافعي المعروف بالزيات لملازمته شيخه سليمان الزيات، حضر دروس فضلاء الوقت وأنضوى إلى الشيخ سليمان الزيات، ولازمه حتى صار معيداً الدروسة، ومهر وأنجب وتضلع في الفنون ودرس وأملى. وكان أوحد زمانه في المعقولات ولازم أخيراً الشيخ دروس الشيخ الحفني، وتلقن منه العهد ثم أرسله الشيخ إلى بلاد الصعيد، لأنه جاءه كتاب من أحد مشايخ الهوارة ممن يعتقد في الشيخ بأن يرسل إليهم أحد تلامذته، ينفع الناس بالناحية، فكان هو المعين لهذا المهم فألبسه وأجازه، ولما وصل إلى ساحل بهجورة تلقته الناس بالقبول التام، وعين له منزل واسع وحشم وخدم وأقطعوا له جانبا من الأرض ليزرعها. فقطن بالبهجورة وأعتنى به أميرها شيخ العرب إسمعيل بن عبد الله فدرس وأفتى وقطع العهود، وأقام مجلس الذكر وراج أمره وراش جناحه ونفع وشفع وأثرى جداً، وتملك عقارات ومواشي وعبيداً وزروعات ثم تقلبت الأحوال بالصعيد وأوذي المترجم وأخذ ما بيده من الأراضي، وزحرحت حاله، فأتى إلى مصر فلم يجد من يعينه لوفاة شيخه. ثم عاد ولم يحصل على طائل وما زال بالبهجورة حتى مات في أواخر سنة 1181.
ومات الإمام العلامة المتقن المعمر مسند الوقت وشيخ الشيوخ الشيخ أحمد بن عبد الفتاح بن يوسف بن عمر المجيري الملوي الشافعي الأزهري ولد كما أخبر من لفظه في فجر يوم الخميس ثاني شهر رمضان سنة 1088 وأمه آمنة بنت عامر بن حسن بن حسن بن علي بن سيف الدين ابن سليمان بن صالح بن القطب علي المغراوي الحسني أعتنى من صغره بالعلوم عناية كبيرة، وأخذ عن الكبار من أولي الأسناد والحق الأحفاد بالأجداد، فمن شيوخه الشهاب أحمد بن الفقيه والشيخ منصور المنوفي والشيخ عبد الرؤوف البشبيشي والشيخ محمد بن منصور الأطفيحي والشهاب الخليفي والشيخ عيد النمرسي والشيخ عبد الوهاب الطندتاوي وأبو العز محمد بن العجمي والشيخ عبد ربه الديوي والشيخ رضوان الطوخي والشيخ عبد الجواد وخاله أبو جابر علي بن فامر الأيتاوي وأبو الفيض علي بن إبراهيم البوتيجي وأبو الأنس محمد بن عبد الرحمن المليجي، هؤلاء من الشافعية، ومن المالكية محمد بن عبد الرحمن بن أحمد الورزازي والشيخ محمد الزرقاني والشيخ عمر بن عبد السلام التطواني، والشيخ أحمد الهشتوكي والشيخ محمد بن عبد الله السجلماسي والشيخ أحمد النفراوي والشيخ عبد الله الكنكسي وابن أبي زكري وسليمان الحصيني والشبرخيتي، ومن الحنفية السيد علي بن علي الحسيني الضرير الشهير بإسكندر ورحل إلى الحرمينسنة 1122. فسمع علي البصري والنخلي الأولية وأوائل الكتب الستة، وأجازاه، والشيخ محمد طاهر الكوراني وأجازه الشيخ إدريس ليماني ومنلا الياسي الكوراني ودخل تحت إجازة الشيخ إبراهيم الكوراني في العموم وعاد إلى مصر وهو إمام وقته المشار إليه في حل المشكلات المعول عليه في المعقولات والمنقولات، قرأ المنهج مراراً وكذا غالب الكتب وأنتفع به الناس طبقة بعد طبقة وجيلاً بعد جيل. وكان تحريره أقوى من تقريره. وله رضي الله عنه مؤلفات كثيرة منها شرحان على متن السلم كبير وصغير، وشرحان كذلك على السمرقندية، وشرح على الياسمينية، وشرح الأجرومية، ونظم النسب وشرحها، وشرح عقيدة الغمري وعقود الدرر على شرح ديباجة المختصر أتمه بالمشهد الحسيني سنة ثلاث وعشرين. ونظم الموجهات وشرحها وتعريب رسالة منلا عصام في المجاز ومجموع صيغ صلوات على النبي صلى الله عليه وسلم. ومؤلفاته مشهورة مقبولة متداولة بإيدي الطلبة ويدرسها الأشياخ. وتعلل مدة وأنقطع لذلك في منزله وهو ملقى على الفراش، ومع ذلك يقرأ عليه في كل يوم في أوقات مختلفة أنواع العلوم وترد عليه الناس من الآفاق، ويقرأون عليه ويستجيزونه، فيجيزهم ويملي عليهم ويفيدهم، ومنهم من يأتيه للزيارة والتبرك وطلب الدعاء، فيمدهم بأنفاسه ويدعو لهم وكان ممتع الحواس، وأقام على هذه الحالة نحو الثلاثين سنة حتى توفي في منتصف شهر ربيع الأول سنة 1181.
ومات الشيخ الإمام الصالح عبد الحي ين الحسن بن زين العابدين الحسيني البهنسي المالكي نزيل بولاق ولد بالبهنسا سنة 1083 وقدم إلى مصر فأخذ عن الشيخ خليل اللقاني والشيخ محمد النشرتي والشيخ محمد الزرقاني والشيخ محمد الأطفيحي والشيخ محمد الغمري والشيخ عبد الله الكنكسي والشيخ محمد بن سيف والشيخ محمد الخرشي، وحج سنة 1113. وألف فأخذ عن البصري والنخلي، وأجازه السيد محمد التهامي بالطريقة الشاذلية والسيد محمد بن علي العلوي في الأحمدية والشيخ محمد شويخ في الشناوية، وحضر دروس المحدث الشيخ علي الطولوني، ودرس بالجامع الخطيري ببولاق وأفاد الطلبة وكان شيخاً بهياً معمراً منور الشيبة منجمعاً عن الناس زاهداً قانعاً بالكفاف، توفي ليلة الاثنين حادي عشري شعبان سنة 1181 بمنزله ببولاق، وصلي عليه بالجامع الكبير في مشهد حافل وحمل على الأعناق إلى مدافن الخلفاء قرب مشهد السيدة نفيسة فدفن بها رحمة الله.
ومات الشيخ إمام السنة ومقتدى الأمة عبد الخالق بن أبي بكر بن الزين ابن الصديق بن الزين بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن أبي القاسم النمري الأشعري المزجاجي الزبيدي الحنفي من بيت العلم والتصوف، جده الأعلى محمد بن محمد بن أبي القاسم صاحب الشيخ إسمعيل الجبرتي قطب اليمن، وحفيده عبد الرحمن بن محمد خليفة جده في التسليك والتربية، وهو الذي تدير زبيد بأهله وعياله وكان قبل بالمزجاجة وهي قرية أسفل زبيد، خربت الآن. ولد المترجم سنة ألف ومائة بزبيد وحفظ القرآن وبعض المتون، ولما ترعرع أخذ عن الإمام المسند الشيخ علاء الدين المزجاجي والسيد عبد الفتاح بن إسمعيل الخاص والشيخ علي المرحومي نزيل مخا، وأجازه من مكة الشيخ حسن العجمي بعناية والده وبعناية قريبه الشيخ علي بن علي الزجاجي نزيل مكة، ووفد إلى الحرمين فأخذ بمكة عن الشيخ محمد عقيلة. روىعنه الكتب الستة وحمل عنه المسلسلات بشرطها وألبسه وحكمه وحضر على الشيخ عبد الكريم اللاهوري في الفقه والأصول، وكان يحثه على قراءة الأخسكيتي ويقول لا يستغنى عنه طالب، وحضر دروس الشيخ عبد المنعم ابن تاج الدين القلعي ومحمد بن حسن العجمي ومحمد بن سعيد التنبكتي وبالمدينة عن الشيخ محمد طاهر الكردي سمع منه أوائل الكتب الستة والشيخ محمد حياة السدي لازمه في سمعا الكتب الستة، وعاد إلى زبيد فأقبل على التدريس والأفادة، وسمع عليه شيخنا السيد محمد مرتضى الصحيحين وسنن النسائي كله بقراءته عليه في عين الرضا، موضح بالنخل خارج زبيد، كان يمكث فيه أيام خراف النخل والكنز والمنار كلاهما للنسفي ومسلسلات شيخه بن عقيلة وهي خمسة وأربعون مسلسلاً. وسمع عليه أيضاً المسلسل بيوم العيد ولازم درسه العامة والخاصة، وألبسه الخرقة ونقبه وحكمه بعد أن صحبه وتأدب به، وبه تخرج شيخنا المذكور. كذا ذكر في ترجمته. قال وفي أخرى توجه إلى الحرمين فمات بمكة في ذي الحجة سنة 1181.
ومات الشيخ الإمام الثبت العلامة الفقيه المحدثاشيخ عمر بن علي ابن يحيى بن مصطفىالطحلاوي المالكي الأزهري تفقه على الشيخ سالم النفراوي وحضر دروس الشيخ منصور المنوفي والشهاب بن الفقيه والشيخ محمد الصغير الورزازي والشيخ أحمد الملوي والشبراوي والبليدي، وسمع الحديث عن الشهابين أحمد البابلي والشيخ أحمد العماوي وأبي الحسن علي بن أحمد الحريشي الفاسي، وتمهر في الفنون، ودرس بالجامع الأزهر وبالمشهد الحسيني وأشتهر أمره وطار صيته وأشير إليه بالتقدم في العلوم، وتوجه إلى دار السلطنة في مهم اقتضى لأمراء مصر فقوبل بالأجابة، وألقى هناك دروساً في الحديث في آيا صوفية، وتلقى عنه أكابر العلماء هناك في ذلك الوقت، وصرف معززاً مقضياً حوائجه وذلك في سنة 1147. ولما تمم عثمان كتخدا القازدغلي بناء مسجده بالازبكية في تلك السنة، تعين المترجم للتدريس فيه، وذلك قبل سفره إلى الديار الرومية، وكان مشهوراً في حسن التقرير وعذوبة البيان وجودة الألقاء، وقرأ الموطأ وغيره بالمشهد الحسيني وأفاد وأجاز الأشياخ، وكان يطلع في كل جمعة إلى المرحوم حمزة باشا مرة فيسمع عليه الحديث. وكان للناس فيه أعتقاد حسن وعليه هيبة ووقار وسكون ولكلامه وقع في القلوب، توفي ليلة الخميس حادي عشر صفر سنة 1181، وصلي عليه بصباحه في الأزهر في مشهد حافل ودفن بالمجاورين رحمه الله.
ومات الوجيه الصالح الشيخ عبد الوهاب بن زين الدين بن عبد الوهاب بن نور الدين بن بايزيد بن أحمد بن القطب شمس الدين بن أبي المفاخر بن داود الشربيني الشافعي وهو أحد الأخوة الثلاثة وهو أكبرهم، تولى النظر والمشيخة بمقام جده بعد أبيه فسار فيها سيراً مليحاً، وأحيا المآثر بعدما أندرست، وعمر الزاوية وأكرم الوافدين وأقام حلقة الذكر كل يوم وليلة بالمسجد، ويغدق على المنشدين، وورد مصر مراراً منها صحبة والده ومنها بعد وفاته، وألف باسمه شيخنا السيد مرتضى رسالة في الطريقة الأوسية سماها عقيلة الأتراب في سند الطريقة والأحزاب، وفي آخره أتى إلى مصر لمقتضى ومرض ثلاثة أيام. وتوفي ليلة الأحد غرة ذي القعدة سنة 1181.
ومات الشيخ الإمام العلامة الهمام أوحد أهل زمانه علماً وعملاً ومن أدرك ما لم تدركه الأول المشهود له بالكمال والتحقيق والمجمع على تقدمه في كل فريق شمس الملة والدين محمد بن سالم الحفاوي الشافعي الخلوتي، وهو شريف حسيني من جهة أم أبيه وهي السيدة ترك ابنة السيد سالم بن محمد بن علي بن عبد الكريم بن السيد برطع المدفون ببركة الحاج، وينتهي نسبه إلى الإمام الحسين رضي الله عنه، وكان والده مستوفياً عند بعض الأمراء بمصر وكان على غاية من العفاف ولد على رأس المائة ببلده حفنا بالقصر، قرية من أعمال بلبيس، وبها نشأ والنسبة إليها حفناوي وحفني وحفنوي، وغلبت عليه النسبة حتى صار لا يذكر إلا بها، وقرأ بها القرآن إلى سورة الشعراء ثم حجزه أبوه بإشارة الشيخ عبد الرؤوف البشبيشي وعمره أربع عشرة سنة بالقاهرة، فكمل حفظ القرآن ثم أشتغل بحفظ المتون، فحفظ إلفية ابن مالك والسلم والجوهرة والرحبية وأبا شجاع وغير ذلك. وأخذ العلم عن علماء عصره وأجتهد ولازم دروسهم حتى تمهر واقرأ ودرس وأفاد في حياة أشياخه، وأجازوه بالأفتاء والتدريس فأقرأ الكتب الدقيقة كالاشموني وجمع الجوامع والمنهج ومختصر السعد، وغير ذلك من كبت الفقه والمنطق والأصول والحديث والكلام، عام اثنتين وعشرين، وأشياخه الذين أخذ عنهم وتخرج عليهم الشيخ أحمد الخليفي والشيخ محمد الديربي والشيخ عبد الرؤوف البشبيشي والشيخ أحمد الملوى والشيخ محمد السجاعي والشيخ يوسف الملوي والشيخ عبده الديوي والشيخ محمد الصغير، ومن أجل شيوخه الذين تخرج بالسند عنهم الشيخ محمد البديري الدمياطي الشهير بابن الميت أخذ عنه التفسير والحديث والمسندات والمسلسلات، والأحياء للأمام الغزالي، وصحيح البخاري ومسلم، وسنن أبي داود، وسنن النسائي، وسنن ابن ماجه، والموطأ، ومسند الشافعي والمعجم الكبير للطيراني، والمعجم الأوسط والصغير له أيضاً، وصحيح ابن حيان، والمستدرك للنيسابوري، والحلية للحافظ أبي نعيم، وغير ذلك. وشهد له معاصروه بالتقدم في العلوم وحين جلس للأفادة لازمه جل طلبة العلم ومن بهم يسمو المعقول والمنقول وكان إذ ذاك في شدة من ضيق العيش والنفقة، فاشترى دواة وأقلاماً وأوراقاً واشتغل بنسخ الكتب فشق عليه ذلك خوفاً من انقطاعه عن العلم. وكان يتردد إلى زاوية سيدي شاهين الخلوتي بسفح الجبل ويمكث فيها الليالي متحنثاً، وأقبل على العلم وعقد الدروس وختم الختوم بحضرة جمع العلماء، وقرأ المنهاج مرات وكتب عليه، وكذلك جمع الجوامع والاشموني ومختصر السعد وحاشية حفيده علبه، كتب عليه وقرأها غير مرة، وكان الشيخ العلامة مصطفى العزيزي إذا رفع إليه سؤال يرسله إليه. وأشتغل بعلم العروض حتى برع فيه وعالى النظم والنثر، وتخرج عليه غالب أهل عصره وطبقته ومن ذويهم كأخيه العلامة الشيخ يوسف والشيخ إسمعيل الغنيمي صاحب التآليف البديعة والتحريرات الرفيعة المتوفى سنة إحدى وستين، وشيخ الشيوخ الشيخ على الغدوي والشيخ محمد الغيلاني والشيخ محمد الزهار نزيل المحلة الكبرى وغيرهم، كما هو في تراجم المذكورين منهم. وكان على مجالسه هيبة ووقار ولا يسأله أحد لمهابته وجلالته، فمن تآليفه المشهورة حاشية على شرح رسالة العضد للسعد، وعلى الشنشوري في الفرائض، وعلى شرح الهمزية لأبن حجر، وعلى مختصر السعد، وعلى شرح السرقندي للياسمينية في الجبر والمقابلة، وله تصانيف أخر مشهورة. وكان كريم الطبع جداً وليس للدنيا عنده قدر ولا قيمة، جميل السجايا مهاب الشكل عظيم اللحية أبيضها، كأن على وجهه قنديلاً من النور. وكان كريم العين على أحداهما نقطة وأكثر الناس لا يعلمون ذلك لجلالته ومهابته، وكان في الحلم على جانب عظيم ومن مكارم أخلاقه أصغاؤه لكلام كل متكلم ولو من الخزعبلات مع أنبساطه إليه وإظهار المحبة ولو أطال عليه، ومن رأه مدعياً شيئاً سلم له في دعواه، ومن مكارم أخلاقه أنه لو سأل إنسانا أعز حاجة عليه أعطاها له كائنة ما كانت، ويجد لذلك أنساً وأنشراحاً، ولا يعلق أمله بشيء من الدنيا وله صدقات وصلات أخفية وظاهرة، وكان راتب بيته من الخبز في كل يوم نحو الأردب والطاحون دائمة الدوران، وكذلك دق البن وشربات السكر، ولا ينقطع ورود الواردين ليلاً ونهاراً، ويجتمع على مائدته الأربعون والخمسون والستون، ويصرف على بيوت أتباعه والمنتسبين إليه.
وشاع ذكره في أقطار الأرض وأقبل عليه الوافدون بالطول والعرض، وهادته الملوك وقصده الأمير والصعلوك،فكل من طلب شيئاً من أمور الدنيا والآخرة وجده. وكان رزقه فيضاً ألهياً. وللشيخ رضي الله عنه مناقب ومكاشفات وكرامات وبشارات وخوارق عادات يطول شرحها ذكرها الشيخ حسن المكي المعروف بشمه في كتابه الذي جمعه في خصوص الأستاذ، وكذلك العلامة الشيخ محمد الدمنهوري المعروف بالهلباوي له مؤلف في مناقب الشيخ ومدائحه وغير ذلكشاع ذكره في أقطار الأرض وأقبل عليه الوافدون بالطول والعرض، وهادته الملوك وقصده الأمير والصعلوك،فكل من طلب شيئاً من أمور الدنيا والآخرة وجده. وكان رزقه فيضاً ألهياً. وللشيخ رضي الله عنه مناقب ومكاشفات وكرامات وبشارات وخوارق عادات يطول شرحها ذكرها الشيخ حسن المكي المعروف بشمه في كتابه الذي جمعه في خصوص الأستاذ، وكذلك العلامة الشيخ محمد الدمنهوري المعروف بالهلباوي له مؤلف في مناقب الشيخ ومدائحه وغير ذلك.